قبل أن يدخل العالم في عصر الثورة المعلوماتية والإنترنت كان من السهل احتكار العلم والمعرفة. وكان على من يريد التعلم أن يسافر من القرية إلى المدينة، ومن المدينة إلى العاصمة حيث الجامعة، ومن بلده إلى بلد أجنبي حيث يجد آخر ما توصل له العلم في المجال الذي يود دراسته. وكان هذا مرهقاً ومكلفاً وغير يسير دائماً. لذا كانت الشخصيات العربية التي تحصل على شهادات عليا نادرة ومجرد وجودها يشعر الناس بالفخر بغض النظر عن العمل الذي يقومون به.
لكن الأمور تغيرت الآن، وأصبح الحصول على العلم متاحاً للجميع دون الحاجة لمغادرة المنزل. فالإنترنت تنقل لك الكتب والأبحاث والدراسات كاملة وتفتح لك أبواب مكتبات الجامعات الكبرى أربعاً وعشرين ساعة في اليوم لتنهل من أحدث الكتب والمراجع كما تشاء. وانتشرت الجامعات في الدول العربية وازداد عددها بغض النظر عن مستواها، وبعضها ذات مستوى عالٍ فعلاً. وعليه فإن حملة الشهادات الجامعية المختلفة أصبحوا أعداداً لا تحصى، ولم تعد شهادة البكالوريوس أمراً مميزاً بل هي عادية جداً ولا تعطي حاملها أي امتياز؛ وربما لا يمر وقت طويل قبل أن تصبح شهادة الماجستير أيضاً من الشهادات الدارجة والعادية.
إذن كيف يتميز المتعلمون وحملة الشهادات عن بعضهم البعض عندما يدخلون مجال الحياة العملية بعد التخرج؟ التميز في هذا العصر المتخم بالعلم والمعرفة يكون في طريقة تطبيق هذه المعرفة وهذا العلم. فالكل يملك نفس العلم لكن التطبيق يختلف بين شخص وأخر. ونحن في العالم العربي والإسلامي نختلف عن الغرب ليس في العلم ولكن في تطبيقنا للعلم.
إننا بحاجة إلى أن نبدع في التطبيق والتطوير. فالعلم مادة جافة ونظريات إدارية أو علمية يقاس نجاحها وفشلها بناءً على مدى نجاحنا في استخدامها والاستفادة منها حسب ظروفنا وأوضاعنا الخاصة بنا. وقد نجح الغرب في هذا الجانب بشكل كبير فتقدم وسبق العالم وحقق الرخاء والازدهار لمواطنيه. إن نمو المجتمعات وتطورها هو في النهاية حصيلة جهد وإبداع وتميز أفرادها، ونحن كأمة لدينا الكثير من الكفاءات والمهارات والخبرات الفردية المتميزة التي لا تصب ?للأسف- في وعاء تطوير المجتمع. وعلينا أن نسعى إداريين ومهتمين بالإدارة كي نبدع في تطبيق نظريات الإدارة الحديثة ونطورها بما يلائم بيئتنا وظروفنا المحلية، فبهذا يتحقق التميز والنجاح ويتميز الفرد وتنمو المنظمات والمجتمعات.